هو ذلك الشعب الذي تألم في جدة ، أهلها الكرماء
الذين اتسموا بالسماحة والمحبة والألفة ، بتاريخهم القديم ، وموقعهم المميز ،
وميزاتهم التي عرفها القاصي والداني ،
وجدوا أنفسهم في براثن أغلال الفساد ، فراحوا ضحية لها ،
بعدما تكالب عليها من لم يتسموا بوطنية ولا إخلاص ، بل بحث بطمع .. بجشع عن مصالح شخصية ، وخيانة لله ولرسوله ولولي الأمر ، خيانة للوطن الذي لطالما احتضنهم واحتواهم ،
ترعرعوا فيه فما وجد منهم سوى خيانة وفساد راحت ضحيتها أرواح بريئة أرادت العيش في أمن وسلام ، كم من الأطفال والشيوخ والنساء فقدناهم ،
وكم من الممتلكات راحت وضاعت بلا ذنب ولا خطيئة سوى أنهم كانوا من أولئك الشعب ..
شعب الله المسكين .
شعب الله المسكين .. ظل طوال عشرات السنين يرى صحفه اليومية تتناقل أخباراً هنا وأخباراً هناك عن مشاريع بمليارات الريالات لتصريف السيول والصرف الصحي ليجدها هباءً منثوراً ،
فكلتا المأساتين التي مرت بجدة سواءً في العام الماضي أو قبل أيام أثبتت أن تلك المليارات لو صرفت حقاً وصدقاً على تلك المشاريع التي أرادتها القيادة لكي ترتقي جدة وتسمو لما كنا رأينا ما رأينا من انتهاكات فاضحة للعذراء الجميلة والعروس البريئة " جدة " ،
لما كنا رأينا تلك الشوارع التي أصبحت مجاري أنهار متدفقة ،
لما كنا رأينا مئات السيارات وهي تتدمر وتتعطل وقد تراكمت فوق بعضها البعض جراء جرف سيول الأمطار لها ، لما كنا رأينا تلك المنازل التي هي مستقر ومستودع لأسرة آمنة مطمئنة وقد غمرتها المياه واجتاحت قاعها ، لما كنا رأينا تلكم الفتيات البريئات يقضين حفتهن في تلك الجامعة التي أريد لها أن تكون جامعة راقية متحضرة فإذا بها قاعاً صفصفاً قد أغرقتها دموع الأعين قبل السيول من الأسى والقهر .
شعب الله المسكين .. هو ذلك الشعب الذي وجد نفسه محاصراً بالمياه من كل مكان
بعدما اجتاحته فجأة بدون مقدمات تذكر ، فوجئ بها في عامها الثاني ،
وفي حضورها الثاني وقد ظن في نفسه أن ما حدث في العام الماضي لابد أن قد أنار البصائر وفتح الأعين على ذلك الفساد الرهيب ، وتلك النفوس التي أضاعت جدة وضيعت معها سمعة وطن وأمان شعب ، ظن أن العدة قد أعدت لكي لا تتكرر المأساة مرة أخرى ،
ظن أن المشاريع الأساسية لابد أن تم العمل بها في عجالة حتى نحافظ على العروس الجميلة قبل أن تستيقظ عليها شمس يوم الأربعاء ليجد ذلك الشعب المأساة تكرر مرة أخرى وبنفس الطريقة والأسلوب ، وأشد ضراوة وأكثر تدميراً .
شعب الله المسكين .. هو ذلك الشعب الذي كنت محاصراً معه ، وقد أحاطت بنا المياه عن اليمين وعن الشمال ، رأيت الأطفال الصغار وقد تضورا جوعاً ، رأيت الفتيات وقد فزعن من هلع الموقف ،
رأيت المرأة العجوز المسنة المريضة يمسك بها ابنها خوفاً عليها من الغرق محاوراً أن يجتاز بها إلى بر الأمان ، رأيت الأب الخائف على أبنائه وبناته الصغار وهو يترقب هنا وهناك آملاً أن يجد القوت الذي يسد به رمق أبنائه بعد ساعات الحصار الطويلة .
شعب الله المسكين .. هو ذلك الشعب الذي أصبح يتناقل أخبار مآسيه ،
والسيول الجارفة التي تجتاحه ، يتناقل صور الكارثة عبر الوسائل التقنية الحديثة المختلفة ،
يحدث بعضهم بعضها عبر رسائل الإنترنت والبلاك بيري ورسائل الجوال لمحاولة إرشاد المحاصرين إلى أماكن الإيواء وأرقام الطوارئ والاتصالات العاجلة ،
في الوقت الذي كان فيه إعلامه الرسمي يبث مسلسلات وبرامج وكأنه في كوكب آخر
ولا يدري أن بالوطن مأساة حقيقية لابد أن يقطع بث كل شيء
ولا يكون هنالك حديث سوى عنها وإرشاد الناس وتتبع الأخبار وإيجاد البرامج التفاعلية التي من شأنها كشف الحقائق ومحاسبة المقصرين والمفسدين ،
استيقظ الإعلام بعد سباته لكن وقد ضاع الوقت ومضى منه ما مضى .
شعب الله المسكين .. هو ذلك الشعب الذي وجد نفسه في تلك المحنة والكارثة وإذا بدول شقيقة تعطف وتحاول تقديم يد العون والمساعدة والدعم المادي لإقامة مشاريع للبنية التحتية بينما دولة ذلك الشعب تقدم مساعدات لدول شتى من العالم في كرمها المعهود وشيمها الأصيلة ، فكم من مشاريع عملاقة أقامتها دعماً ومساعدة لتلك الشعوب العربية منها والإسلامية الشقيقة ، القريبة منها والبعيدة ، دولته التي لم تأل جهداً في مساعدة كل من تضرر وأصابته الكوارث والمحن في أصقاع العالم مختلفة ، دولته الكريمة الغنية صرفت قيادته عشرات المليارات من أجل تطوير البنية التحتية وتشييدها على أكمل وجه وأفضله وأحسنه وأرقاه ، إلا أن النفوس الضعيفة التي لم تعرف حباً للوطن ولا ولاءً له ولا وفاءً ، فرأينا جراء جشعها وطمعها وفسادها تلك الصور المؤلمة التي يندى لها الجبين ، ويحزن لها الفؤاد ، ويفزع منها القلب .
شعب الله المسكين .. هو ذلك الشعب الأبي الكريم الصامد ، الصابر رغم كل الأسى ،
ورغم كل الابتلاءات ، لأنه شعب أصيل عريق ، فمن حقه أن يعيش في أمان ،
وأن تصان حقوقه ، وأن تحفظ ممتلكاته ، وأن يبقى عزيزاً أبياً كريماً حتى الأبد.
شعب الله المسكين .. يناشد اليوم أبا المساكين والفقراء والضعفاء في بلادنا ،
نناشد جميعاً خادم الحرمين الشريفين ونحن ننتظر عودته بفارغ الصبر أن يضرب بيد من حديد على كل فاسد وكل خائن ، وأن يعيد البسمة إلى تلك العروس الجميلة التي نحبها ونعشقها ،
التي رغم كل المآسي والآلام التي لحقت بها ترى بكل فخر واعتزاز شبابها وفتياتها وهم يهرعون جميعاً في مشهد تلاحمي ورابطة الجسد الواحد ، لأن جدة هي التي ربتنا وعلمتنا على تلك القيم والشيم ،
وستبقى عروساً أبية شامخة برغم أنف كل مفسد في الأرض .
31-1-2011

باقة ورد لقلم لا أفيه حقه بالكلام
ردحذفتغرق الأحداث اهتماما وكلاما جميلا بسمو نفس وطهارة قلب وصدق موقف وطيب خصال وروعة وفاء لعروس البحر